الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

البيان والتبيين لحكم نصرة أهل فلسطين ٢







 البَيَانُ والتَّبيينُ لحكمِ نُصْرَةِ أَهْلِ فَلَسْطِينَ (٠٢)




وبيانهُ: أنَّ بعضَ أهل العلم وأداءً لما أمروا به من النُّصحِ للهِ ولكتابهِ ولرسولهِ ولأئمَّةِ المسلمين وعامَّتهم نصحوا المسلمين في فلسطين بالكفِّ عن قتال اليهود وترك استفزازهم ومُصالحتهم حفاظًا على دماء المسلمين وأعراضهم لأنَّهم قلَّةٌ وضعفاءٌ واحتجُّوا لقولهم بجملةٍ من الأدلَّةِ من الكتاب والسُّنَّة. 
أوّلًا- احتجُّوا بقول الله جل وعلا:﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
قال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبي، حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيبٌ، عن الزهريّ، أخبرني عُرْوَة بن الزبير: أن أسامة بن زيد أخبره، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وكان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتأوَّل من العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم بقتل، فقتل الله به من قتل من صناديد قريش.
 قال الحافظ ابن كثير: إسناده صحيح، ولم أره في شيءٍ من الكتبِ الستَّةِ ولكن له أصل في الصحيحين عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-.
واحتجوا بقوله:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا.
 ووجه الاحتجاج أنَّ الله جلَّ وعلا لم يأذنْ للمسلمين في قتالِ الكفَّارِ في أوَّل الأمرِ مع ظلمهم إيَّاهم بتعذيبهم، وإخراجِهم من ديارِهم وذلك لقلَّتهم وضعفهم في ذلك الوقت وكثرة عدوهم وقوَّته حتَّى يأتيَ اللهُ بأمره
قال أبو جعفرابن جرير الطبري: يعني جلَّ ثناؤه بقوله: (فاعفوا) فتجاوزوا عما كان منهم من إساءةٍ وخطأٍ في رأي أشاروا به عليكم في دينكم، إرادةَ صدِّكم عنه، ومحاولةَ ارتدادكم بعد إيمانكم، وعمَّا سلف منهم من قيلهم لنبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ [النساء: ٤٦] ، واصفحوا عمَّا كان منهم من جهلٍ في ذلك حتَّى يأتيَ الله بأمره، فيحدث لكم من أمره فيكم ما يشاء، ويقضي فيهم ما يريد. فقضى فيهم تعالى ذكرَه، وأتى بأمره، فقال لنبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللمؤمنين به: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: ٢٩] . فنسخ الله جلَّ ثناؤه العفوَ عنهم والصَّفحَ، بفرض قتالهم على المؤمنين، حتى تصير كلمتهم وكلمة المؤمنين واحدةً، أو يؤدُّوا الجزية عن يدٍ صغارا. إ هـ
وتدبر قوله ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ تعلم علِّيَةَ الآتي وُجودًا وعدمًا؛ فعدمه مانعٌ من القتال ووجوده موجبٌ له والآتي: هو قوَّةُ المسلمين وقدرتُهم على قتالِ عدوِّهم قال ذلك شيخ الإسلام ابنُ تيمية، وابنُ كثير وغيرهما،والقول بالعلية هو قول ابنُ تيمية، وابنُ كثيرٍ، والألبانيُّ، وابن بازٍ وابن عثيمين، وغيرهم كثير.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: وَأَمَّا الْعَفْوُ وَالصَّفْحُ فَإِنَّهُ جُعِلَ إلَى غَايَةٍ وَهُوَ: أَنْ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ فَلَمَّا أَتَى بِأَمْرِهِ: بِتَمْكِينِ الرَّسُولِ وَنَصْرِهِ - صَارَ قَادِرًا عَلَى الْجِهَادِ لِأُولَئِكَ وَإِلْزَامِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَمَنْعِهِمْ عَنْ الْمُنْكَرِ- صَارَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْيَدِ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ.
ثانيًا- قولهُ جلَّ و علا:﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقوله:  ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وقوله: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾.
ومعنى هذه الآيات ممَّا أجمع عليه أهلُ العلمِ وهو:أنَّ اللهَ جل وعلَّا لا يكلّف عبدَه أمرًا لايستطيعُ فعلَه ابتداءً، وماكلَّفه به ممَّا يقدرُعليه أسقطَه عنهُ إنْ عَجزَعن فعلِه بالكلُّيَّة أو إتيانِ ما ستطاعَ منه إن قَدرَعلى بعضٍ وعجزَعن بعضٍ.
ثالثًا- قال ابن حبَّان في صحيحه: ذِكْرُ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ اسْتِعْمَالُ الْمُهَادَنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَاءِ اللَّهِ إِذَا رَأَى بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفًا يعجزون عنهم  
ثمَّ روى بسنده قصة صلح الحديبية وفيه:
   فَلَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ: هاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا الْكَاتِبُ فَقَالَ:اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَلَا أَدْرِي ـ وَاللَّهِ ـ مَا هُوَ؟! وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو:لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ ـ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي ـ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» ـ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ:«لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا »وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ ـ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى أَنْ تُخلوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفُ بِهِ» فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: إِنَّهُ لَا يَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنا ضُغْطَةٌ وَلَكِنْ لَكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَكَتَبَ , فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ ـ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ أَوْ يُرِيدُ دِينَكَ ـ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ [ص:٢٢٨] سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قيودِهِ قَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: يَا مُحَمَّدُ هَذَا أوَّلُ مَنْ نُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تردَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّا لَمْ نُمْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ »فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَأَجِزْهُ لِي» فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزه لَكَ قَالَ:فَافْعَلْ قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ قَالَ مِكْرزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ فَقَالَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سيهل بن عمرو: يامعشر الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جئْتُ مُسْلِمًا أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا قَدْ لَقِيتُ ـ وَكَانَ قَدْ عُذبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ - فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ: وَاللَّهِ مَا شَكَكْتُ ـ مُنْذُ أَسْلَمْتُ ـ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: ألستَ رَسُولَ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: «بَلَى» قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ:«بَلَى» قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَا؟ قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِي رَبِّي وهو ناصري) قلت: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: «بَلَى فخبَّرتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيَهِ الْعَامَ؟ » قَالَ: لَا قَالَ:«فَإِنَّكَ تَأْتِيَهِ فَتَطُوفُ» بِهِ قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ الله حقا؟ قال: (بلى) قلت: أولسنا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: (بَلَى) قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ [ص:٢٢٩] فِي دِينِنَا إِذَا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسَكَ بِغَرْزِهِ حَتَّى تموت فوالله إنه على الحق قلت: أوليس كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ فَأَخْبَرَكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيَهِ وَتَطُوفُ بِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ فَعَمِلْتُ فِي ذَلِكَ أَعْمَالًا - يَعْنِي فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ. والحديث أخرجه البخاري ومسلم
ووجه الاستدلال أنَّ النّبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صالحَ قريشًا صلحًا ظاهرُه الذِّلَّةُ والمسكنةُ ؛حفاظًا على دماء المسلمين والله جلَّ وعلا قد سَمىَّ هذا الصُّلحَ فَتْحًا وفيه أنزلَ:﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)
 رابعًا- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أنه سألَ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعرف بذي مِخْبَر عَنِ الْهُدْنَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ»أخرجه أبو داود (٢٧٦٧) وغيره وصححه الألباني
 قال الشيخ العباد:⦅ والروم: هم النصارى. وقوله: (صلحاً آمناً) أي: يحصل الأمن بينكم وبينهم بمقتضى هذا الصُّلحِ، وهذا هو محلُّ الشَّاهد لأنَّ النَّصارى كفَّارٌ، وهم أعداءُ المسلمين، ومع ذلك يحصل بينهم صُلحٌ، وهذا في آخر الزَّمان.
خامسا- قصَّةُ ميلِ النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الصُّلح مع غطفان على مال - هوثلث ثمار المدينة - يدفعه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم؛ حتَّى يرجعوا بمن معهم عن محاربة الرسول وصحابته الكرام .
 والقصَّة أخرجها الهيثمي في المجمع، وقال رواها البزّار والطبراني , ورجال البزار والطبراني فيهما محمد بن عمرو، وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات.
 وصحّحَ القصّةَ جمعٌ من الأئمَّة، منهم شيخُ الإسلام، والحافظ ابن حجر، وغيرهما.
سادسًا- قول الله جل وعلا لعيسى ابن مريم: «إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ  وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ» أخرجه مسلم من حديث النواس بن سمعان
فأمر الله عيسى -عليه السلام- وهو نبيَّ بأن لا يُقاتل يأجوجَ ومأجوجَ لعجزه وضعفه وقوَّتهم.

 ومع تسليم أكثر أهل العلم من أهل السنة بعلِّيَةِ القدرةِ والاستطاعةِ في الجهادِ اختلفوا هل هي علَّةُ وجوبٍ أم لا؟  بمعنى:هل يُحرمُ على المسلمين مقاتلة الكفَّار في حالة ضعفهم أم ماذا؟ قولان:
 والذي عليه أكثرُ أهلِ العلمِ -رضى الله- عنهم أنه لا يُحرمُ.
قال الإمام الشافعي:لَا أَرَى ضِيقًا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى الْجَمَاعَةِ حَاسِرًا، أَوْ يُبَادِرَ الرَّجُلُ، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ مَقْتُولٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بُودِرَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَاسِرًا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ بَعْدَ إعْلَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَيْرِ فَقُتِلَ.إهـ
وخرج مسلم عن بعض أصحاب النّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهم قاتلوا مع تأكُّدهم من استشهادهم.
عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ- عَنْهُ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ»، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالهَدَأَةِ، وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ، ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ وَأَحَاطَ بِهِمُ القَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ [ص:٦٨]، وَلَكُمُ العَهْدُ وَالمِيثَاقُ، وَلاَ نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا، قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لاَ أَنْزِلُ اليَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ بِالعَهْدِ وَالمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ دَثِنَةَ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الغَدْرِ، وَاللَّهِ لاَ أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي فِي هَؤُلاَءِ لَأُسْوَةً يُرِيدُ القَتْلَى، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ، وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ، أَنَّ بِنْتَ الحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الحِلِّ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، فَتَرَكُوهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا.
[البحر الطويل]
مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا  ─═☆☆═─  عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ  ─═☆☆═─  يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الحَارِثِ فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، «فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ، وَمَا أُصِيبُوا، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ، لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا» البخاري ومسلم
والشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- وهو الذي أفتى أهلَ فلسطينَ بالهجرةِ منها حتى تتحقَّقَ لهم القُوَّة فيعيدوا فتحَها وتحريرَها كما فعلَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مكَّة ،يخفى على كثير من محبّيه، والمتتبعين لأخباره وأحواله: جهادُه في فلسطينَ.
قال الشيخ زهير الشاويش -حفظه الله- في مقالة له بعنوان: (نقاط يسيرة من سيرة عطرة للشيخ الألباني مع الحديث النبوي الشريف) بعد كلام:
وحتى في الإعداد للجهادِ في فلسطينَ، وقد أعدَّ الشيخُ ناصرٌ نفسَه لمقاومة الاستيطان الصُّهيوني، وكاد أن يصل إلى فلسطينَ، لولا المنعُ الحكوميُّ للمجاهدين .
قال الشيخ مشهور: وصل الشيخ فلسطين سنة ١٩٤٨م، وصلّى في المسجد الأقصى، ورجع مرشداً دينياً للجيش السعودي بعد ما سموه بالنكسة، وقد تاهوا في الطريق، وله في تفصيل ذلك كتاب ماتع محفوظ، اسمه "رحلتي إلى نجد" "كتاب السلفيون وقضية فلسطين".
ومثل الشيخِ الألباني الشيخُ ابنُ باز والشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليهم- فهما من القائلين بعلِّيَّةِ القوَّةِ والقدرةِ ومع ذلك فأقوالُهم في دعوةِ النَّاسِ لنُصرةِ فلسطينَ بالمالِ والرِّجالِ أشهرُ من أن تذكرَ وأكثرُ من أن تحصرَ ولو كان فَقْدِ القُدرةِ والاستطاعةِ مانعًا محرِّمًا للجهادِ لما جاهد ابن تيمية والألبانيُّ، وابن باز، وابن عثيمين وغيرهم -رحمة الله- عليهم.
وليُعلم أنَّ حال الفلسطينين حال معقَّدة فاليهودُ يحيطون بهم من كلِّ جانب يقتلون من شاؤوا متى شاؤوا، ويأسرون من شاؤوا متى شاؤوا وهذا يجعلهم بين أمرين إمَّا أن يهاجروا كما قال الشيخ الألبانيُّ أويقاتلوا، قال أبوداود: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُؤْسَرُ، فَلْيُقَاتِلْ حَتَّى يُقْتَلَ، أَحَبُّ إِلَيَّ .قال الخرقي: فإن خشي الأسر قاتل حتى يقتل.
ولاينبغي للمسلمين أن يعظِّمُوا أمرَعدوِّهم حتَّى يرونَه لا يغلبُ ولا يقهُر فإنَّهم إنْ فعلوا ذلك فشِلوا قالَ جلَّ وعلا:﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
 وليتقوا الله ولا يقولوا: نحنُ قلّةٌ ضعفاءٌ فلا نقاتلُ كما قالت اليهودُ لموسى -عليه السلام- فيعاقبهم بالتيِّه كما عاقبهم إذ قال لهم موسى
﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (٢١) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (٢٢) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٥) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٦)
والحقُّ الذي نعرفه جميعًا أنَّنا لسنا ضعافًا أبدًا لو اتَّحدنا وإنَّما نحن ضعافٌ لتفرُّقنا وتشتُّتنا، وتركِنا كتابَ ربِّنا، وسنَّةَ نبيِّنا، وركضِنا وراءَ الدُّنيا وحُطامِها -غفرانك ربنا وإليك المصير! -
عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» رواه أبوداود وغيره وصححه الألباني
ثمَّ لاينبغي لهم أن يستَغْلُوا دماءَهُم في سبيلِ اللهِ، فالحمدُ لله من يموتُ من المسلين في سبيل اللهِ فهو شهيدٌ أجره عند اللهِ عظيمٌ.
قال جلَّ وعلا: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وقال: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ
عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: ١٦٩] قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا » وهو في الصَّحيح
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: وَهَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ إذَا قُتِلُوا كَانُوا شُهَدَاءَ وَلَا يُتْرَكُ الْجِهَادُ الْوَاجِبُ لِأَجْلِ مَنْ يُقْتَلُ شَهِيدًا، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا قَاتَلُوا الْكُفَّارَ فَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ شَهِيدًا، وَمَنْ قُتِلَ وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ كَانَ شَهِيدًا. إهـ.
وأختم بكلام لشيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يلخص لك كل ماتقدَّم.  
قال -رحمه الله-: وَالْجِهَادُ مَقْصُودُهُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ؛ فَمَقْصُودُهُ إقَامَةُ دِينِ اللَّهِ لَا اسْتِيفَاءُ الرَّجُلِ حَظَّهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُجَاهِدُ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ أَجْرُهُ فِيهِ عَلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ حَتَّى إنَّ الْكُفَّارَ إذَا أَسْلَمُوا أَوْ عَاهَدُوا لَمْ يُضَمَّنُوا مَا أَتْلَفُوهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ؛ بَلْ لَوْ أَسْلَمُوا وَبِأَيْدِيهِمْ مَا غَنِمُوهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مِلْكًا لَهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَهُوَ الَّذِي مَضَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ.ا هـ
واربط -رحمك الله- بين كلام شيخ الاسلام ابن تيمية ودعاء النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربَّه يوم بدرٍ والذي أخرجه مسلم قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ» تعلم أنَّ كلام شيخ الإسلام  -رحمه الله- من مشكاة النبوة؛ فالمسلمون لو هلكوا يوم بدرٍهلكوا في سبيل الله وكانوا شهداءً بل خيرَ الشهداءِ؛ ولكن لمًّا كان هذا ليس هوالمقصودُ من فرض الجهادِ ( أعني الشهادة إذا كانت إبادة) استعاذ منها النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فالمقصود من الجهاد هو إعلاءُ كلمةِ  الله، وأن يكونَ الدِّينُ كلُّه لله قال جل وعلا: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وإبادةُ المسلمين واستئساِرُهم ولوكانت في سبيل الله ليسَ فيها شيءٌ من ذلك المقصود. كما أنَّ المقصودَ من النُّصرة هو إعلاءُ كلمةِ الله وإظهار قوَّةِ الإسلامِ وعزَّة المسلمين لا استيفاءَ المسلمين حظوظَهم من النصرة وهذا ردٌّ مفحمٌ ملجمٌ. به يرد على الذين أنكروا على أئمَّةِ المسلمين إفتاءَ المسلمين بترك قتالِ اليهودِ ابتداءً ومُصالحتِهم خوفًا عليهم ممَّا خافَه النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-على المسلمين يوم بدرٍمستدلِّين ببعض الأثارِ التي فيها أنَّ بعضَ الصَّحابة اقتحموا صفوَف العدوِّ طلبًا للشهَّادة وإقرارِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفعلهم وثنائِه عليهم لأنَّ فعلهم فعل آحادٍ وليس فيه إبادةٌ للمسلمين ولا تعريضهم للأسرِ بل هو من بابُ تشجيعٍ المسلمين على القتالِ وترغيبهم في الشهَّادة وهو بهذه الصورة إعلاءٌ لكلمة اللهِ.    
وبه يردُّ أيضًا على الذين تركوا نصرة إخوانهم المسلمين بحجَّة أنَّهم إخوانٌ أو أشاعرةٌ أوغيرها.
فنصرةُ المسلمِ للمسلمِ واجبةٌ لا تسقطُ بشيءٍ، من استطاعَ أن ينصرَهم بيدِه فبيدِه ينصرُهم فمن لم يستطعْ بيده فبمالِه ولسانِه فمن لم يسطعْ فبقلبِه ودعائِه وليس وراءَ ذلك مثقالُ ذرَّة من إيمان .
قال العلامة الإبراهيمي- رحمه الله- : أمَّا أنا، كاتبُ هذه السُّطور، فوالذي روحي بيده لو كنت أملكُ ما يملكه العموري من سَخْل، أو ما يملكه البسكريّ من نخل، أو ما يملكه الفلّاح من أرض، أو ما يملكه الحضري من دور ورباع، أو ما يملكه الكانز من ورِق وورَق، لخرجتُ من ذلك كله في سبيل عروبة فلسطين، ثم لا تجدُني مع ذلك منَّانًا ولا كنودًا، ولكنني أملك من هذه الدنيا مكتبة متواضعةٍ هي كل ما يرثه الوارث عنِّي، وإنني أضعُها خالصًا مخلصًا، بكتبها وخزائنها تحتَ تصرّف اللجنة التي تُشكَّل لإمداد فلسطينَ، ولا أستثني منها إلا نسخةً من المصحفِ للتلاوة، ونسخةٍ من كلٍّ من الصحيحين للدّراسة .
                  والحمد لله رب العالمين

أبوعبد الرَّحْمَنِ شعبان الهلالي ❖❖❖


ليست هناك تعليقات: