الاثنين، 25 أغسطس 2014

البيان والتبيين لحكم نصرة أهل فلسطين١



        


 البيانُ والتَّبيينُ لحكم نصرةِ أهلِ فلسطينَ


" لايزال في النّاسِ بقية ماتُعُجِّبَ من العَجَب"
 أثرٌ قرأته قبل زمن لكني ماقدرته ولا أنصفته لعمق جهلي وقلة زادي وبهلي رغم أني قرأت قول علي بن الغديّر الغنوي:
وَهَلْكُ الفَتَى أَلَّا يراح إلى الندى  ─═☆☆═─  وأن لايرى شيئا عجيبا فيعجبا   
وقرأت ما ذكره أبو القاسم الزجاجي في أماليه عَن أبي عمرو بْن الْعَلَاء قَالَ: قيل لرجلٍ من بني بكر بْن وائلٍ قد كبر حَتَّى ذهبت مِنْهُ لَذَّة المأكل وَالْمشْرَب وَالنِّكَاح، أَتُحِبُّ أَن تَمُوت؟ قَالَ: لَا .قيل لَهُ فَمَا بَقِي من لذتك فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ أسمع بالعجائب. وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
وَهلك الْفَتى أَن لَا يراح إِلَى النَّدى ─═☆☆═─ وَأَن لَا يرى شَيْئا عجيبا فيعجبا
معني " يراح " يرتاح، ومعني الْكَلَام وَأَن لَا يعجب إِذا رأى الْعجب.
واستمر جهلي بقدر التعجب من العجب حتى سألني أخٌ أثريٌ عن حكم نصرة المسلمين في غزة؟
وإن كان في الأزمنة: ماضيها، وحاضرها زمان قد خلى من التعجّب وارتفع عن أهله التعجّب حتى لاتكاد تسمع بمتعجب في الأرض على شساعتها وعلى كثرة مافيها من العجائب، فهو هذا الزمن الذي تساوى فيه أكثر الناس في فقد الشعور والإحساس حتى صاروا كأسنان الحمار.
 وأعجبُ العجب أن يسأل مسلم عن حكم نصرة مسلم. وإني وإن كنت عشت لهذا الزمن الذي سمعت فيه هذا السؤال فإني لأسأل الله أن لا أعيش إلى اليوم الذي يسأل فيه المسلم عن حكم عبادة الله جلَّ وعلا لأنه زمن شرار الناس، وأرجوا من الله أن لا أكون منهم. 
يقول السائل في سؤاله:هؤلاء الذين يقاتلون اليهود في غزَّةَ إخوان والإخوان جماعة ضالة منحرفة ونصرتهم تعني نصرة ضلالِهم وانحرافِهم هكذا قال هذا المسكين. وأعتقد أني بحاجة لزمن حتى أستفيق  وأستوعب ماقال فليس ماقال بأقل من ضربة على القفا بعصا صنعت من شجر البلوط.
ولأن تعجب المؤمنين بكاء وتعجّب غيرهم ضحك ومكاء أنصحكم بالبكاء فابكوا وحوقلوا
﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ
وجوابا لسؤال الأخ الأثري أن يسأل أولا:هل الإخوان المسلمون مسلمون أم لا؟ فإن قال:لا فاعلم أنه تكفري فلا تلتفت إليه بل إن قدرت على إدخاله السجن فافعل تكن من النّاصحين لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامَّتهم.
وأمَّا إن قال نعم وهو الظن به فيُقال له:إن كنت تعتقد أنهم مسلمون من جملة المسلمين أفليس نصرة المسلم للمسلم واجبة وإن كان عاصيا مبتدعا مالم تخرجه معصيته أو بدعته عن الإسلام قال جل وعلا ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ  
وعن البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: « أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإِبْرَارِ القَسَمِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ آنِيَةِ الفِضَّةِ، وَعَنِ المَيَاثِرِ، وَالقَسِّيَّةِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ» أخرجه البخاري (5175) ومسلم(2066)
وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ» أخرجه مسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى-: وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ وَبُغْضُهُ، وَمُوَالَاتُهُ وَمُعَادَاتُهُ، تَابِعًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَيُحِبُّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُبْغِضُ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُوَالِي مَنْ يُوَالِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ كَانَ فِيهِ مَا يُوَالَى عَلَيْهِ مِنْ حَسَنَاتٍ وَمَا يُعَادَى عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتٍ عُومِلَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ، كَفُسَّاقِ أَهْلِ الْمِلَّةِ؛ إذْ هُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ، وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ، بِحَسَبِ مَا فِيهِمْ مِنْ الْبِرِّ وَالْفُجُورِ، فَإِنَّ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة: 7] ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 8] 
وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بِخِلَافِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَبِخِلَافِ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ يَمِيلُونَ إلَى جَانِبٍ، وَهَؤُلَاءِ إلَى جَانِبٍ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَسَطٌ.
وسئل العلّامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- فقيل له: يذكر أن بعض القادة في المعارك الإسلامية كانوا أشاعرة، فهل يثنى عليهم؟
فأجاب بقوله: من أصول أهل السنة والجماعة أن الإنسان قد يجتمع فيه سُنَّة وبدعة إذا لم تكن البِدعة مكفّرة، ومن المعلوم أن بدعة الأشعرية ليست من البِدع المُخْرِجة عن الإسلام، ولا مَانِع من الثَّناء على من قام بما ينفع المسلمين من هذه الطائفة بما يستحق من الثناء؛ فهو محمودٌ على ما قام به من ذلك، وأمَّا ما حصل منه من بدعة، نعلم أو يغلب على ظنِّنا أنه فيها مجتهد، فهو دائر بين الأجر والآجرين؛ لأن كل مجتهد من هذه الأمَّة في حكم يسوغ فيه الاجتهاد فلن يعدم الأجر أو الأجرين؛ لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ-: «إذا حكم الحاكِمُ فاجتَهد ثم أصابَ فلَه أجرانِ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فلهُ أجرٌ» .
والحكمُ في النّاس وبين النّاس، إنّما يكون إلى الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ وقال: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً. وقد علمت قول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ - في المجتهد.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 1/1/1417 هـ. 
 مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

 ثم اعلم أيُّها الأثري أنك لا تنصر هذا المسلم الإخوانيَّ لأنه إخوانيٌَ وإنما تنصره نصرة لدين الله، أرأيت لو أن مسلما اعتدى على يهودي ألست كنت تكف أذاه عنه وليس ذالك نصرة لليهودي وإنما نصرة لدين الله جل وعلا أن ينسب إليه بغي ولأتباعه ظلم، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ»أخرجه البخاري(2444)
فسمى منعه من أذية الناس نصرة له مع أنها في الظاهر نصرة للمظلوم الذي قد يكون غير مسلم؛ لأن المقصود من النصرة إظهار كمال الإسلام وعدله وعزة أتباعه وقوتهم. 
ألم تر أخي إلى قول الله جل وعلا: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فأمر الله بنصرة هؤلاء المسلمين الذين فعلوا فعلا فيه نوع خذلان للإسلام والمسلمين بتركهم الهجرة حتى قال الله جل وعلا فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا  والله جل وعلا قد عاقبهم على فعلهم  ذالك بحرمانهم من الولاية ومع ذالك لم يأذن بخذلانهم وترك نصرتهم إلَّا على قوم بيننا وبينهم ميثاق فَلَا ننصرهم عَلَيْهِمْ، وَلَا ننْقُضُ الْعَهْدَ حَتَّى تَتِمَّ مُدَّتُهُ قال ابن العربي:إلَّا أَنْ يَكُونُوا أُسَرَاءَ مُسْتَضْعَفِينَ؛ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ مَعَهُمْ قَائِمَةٌ، وَالنُّصْرَةَ لَهُمْ وَاجِبَةٌ بِالْبَدَنِ بِأَلَّا يَبْقَى مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى نَخْرُجَ إلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ إنْ كَانَ عَدَدُنَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، أَوْ نَبْذُلَ جَمِيعَ أَمْوَالِنَا فِي اسْتِخْرَاجِهِمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ دِرْهَمٌ. كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ: فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مَا حَلَّ بِالْخَلْقِ فِي تَرْكِهِمْ إخْوَانَهُمْ فِي أَسْرِ الْعَدُوِّ، وَبِأَيْدِيهِمْ خَزَائِنُ الْأَمْوَالِ وَفُضُولُ الْأَحْوَالِ وَالْعُدَّةُ وَالْعَدَدُ، وَالْقُوَّةُ وَالْجَلَدُ. انتهى كلامه -رحمه الله-
  والله جل وعلا لا يحب أن يُرى المسلمون ضعفاء أذلة ولايحبُّ من المسلم أن يكون ذليلا ضعفيا قال سبحانه: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وأَبو هُرَيْرَةَ، يقول: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» أخرجه مسلم
وطردا للعلّة حتى المرأةُ أجاز لها الإسلام أن تجير وتعطيَ الأمان لأنه مظهر لقوة الإسلام ووحدة وتساوٍ بين أتباعه قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد أجرنا من أجرت يا أمَّ هانئ» متفق عليه
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ. يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ»   رَوَاهُ أَبُو دَاوُدو غيره وحسنه الألباني
وترك المسلمين نصرة بعضهم بعضا لما بينهم من الخلاف مسيءٌ لمظهر الإسلام مخالفٌ لجوهر الإيمان.
وكل ماتقدم ليس أكثر من بيان وإلا فهو مما أجمع عليه أهل العلم والإيمان؛ وإنما حصل الالتباس عند بعض النَّاس مما سمعوه من بعض أهل العلم ،أوعنهم من إنكارهم على أهل غزة قتال اليهود مع ضعفهم وقوة عدوهم،والعيب ليس في كلام أهل العلم وإنما العيب في فهم بعض الناس له كما قيل:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ─═☆☆═─ وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ

وبيانه: أن بعض أهل العلم وأداء لما أمروا به من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم نصحوا المسلمين في فلسطين  بالكف عن قتال اليهود وترك استفزازهم ومصالحتهم حفاظا على دماء المسلمين وأعراضهم لأنهم قلة وضعفاء واحتجوا لقولهم بجملة من الأدلة من الكتاب والسنة.  




      يستكمل


أرسل الفوائد






ليست هناك تعليقات: