العالم الثالث
عبارة كلما سمعتها تذكرت قول
الله جل وعلا عن
فرعون لعنه الله: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)﴾ [الزخرف]
ذلك أن المقصود بالفعلين (أعني
استخفاف فرعون بقومه واستخفاف الكفار بنا وقولهم عنا عالما ثالثا) واحد
وليس غريبا على الكفار أن
يفعلوا ذلك بالمسلمين فقد فعلها فرعون وغيره قبلهم،وإنما الغريب أن يحقر المسلم
نفسه فيصفها بالتخلف والدون مع أن الله جل وعلا
قال للمؤمنين: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا
وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) ﴾ [ آل عمران]
و"اصطلاح العالم الثالث" وإن كان مصطلحا حديثا إلا أنه استمرار وتوارث لميراث الكفار والملحدين في معاملتهم
للأنبياء والمرسلين وعباد الله الموحدين، إذ لو تتبعت كتاب الله جل وعلا لوجدت أن
الفعل الذي اتفق عليه جميع الكفار هو احتقارهم للموحدين والسخرية منهم والضحك
عليهم
وحسبك من ذلك هذه الآية:
قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30)
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا
رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) ﴾ [المطففين]
ومع كل
ما ذكرت ربما تجد في المسلمين من يقول: لا علاقة لهذا الاصطلاح بالازدراء والإهانة
للمسلمين وإنما هو مصطلح اقتصادي وضع للتمييز بين الدول من الناحية الاقتصادية لا
غير؛والدليل على ذلك أنه غير خاص بالدول الإسلامية بل تدخل تحته دول أخرى غير
مسلمة كما هو معلوم .
وهذا قول من لم يفهم بعد ما قلت أولا.
قبل
زمن قرأت كتاب "أجنحة المكر الثلاثة" لعبد الرحمان بن حسن حبنكة وهو كتاب يشرح وسائل
الكفارفي هدم الاسلام وتمييع أتباعه فيقول: الفصل السابع من وسائل الغزو الفكري: التفريغ والملأ؛ علمتني الحشرة حينما تدخل إلى باطن الثمرة
فتجوفها كيف يحاول أن يصنع أعداء الإسلام به، إنهم يحاولون تفريغ الإسلام من
محتواه الاعتقادي والعملي والخلقي حتى يُمسي قشرة فارغة محكوماً عليها بالطرح
والفناء وهكذا يفعلون، وبالإسلام يكيدون." انتهى كلامه.
ولعلى
لا أحتاج إلى كثير كلامٍ لأشرح كلام حبنكة
ويكفي
كل منصف ما يشاهده اليوم وتحت تأثير هذا المصطلح من افتتان شباب المسلمين بالكفار
حتى أنك لو فاجأت أكثر شباب المسلمين بهذا السؤال وهو أيها أفضل أو أحسن أو خير السعودية
أو أمريكا؟ لقال دون أن يشعر أمريكا ،بل تجد كثيرا من المسلمين يشعر بالنقص إذا
قورن بالغربي وهذا كله من تأثير هذا الاصطلاح وما كان في معناه
والله
جل وعلا لم يجعل المال ولا التطور الصناعي معيارا للخيرية ولا التفاضل وإنما هذا
معيار إبليس وأتباعه وأعوانه ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي
مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾
وأما
المعيار الإلهي للخيرية والتفاضل فهو: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
وربما هذا الاصطلاح في وضعه الأول لم يكن من أجل
هذا الغرض ولكن لا يشك عاقل أنه استغل فيما بعد من أجل هذا الغرض، والمسلم لا يقبل
من أحد أن يذله أو ينزله عن منزلته التى أنزله إياها ربه جل وعلا وهي المنزلة
العليا قال سبحانه:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ
يَنْتَصِرُونَ (39) ﴾
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بن يزيد النخعي: «كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ
يُسْتَذَلُّوا، فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا»
وإبراهيم تابعي
فهو يتحدث عن الصحابة والتابعين
قال الإمام ابن باديس - رحمه الله تعالى- فالمسلم المتحقق بالإسلام المهتدي
بهدايته لا يكون إلاّ عزيزا رحيما، فالذلة من المسلم نقص في إسلامه والقساوة مثلها
نقص فيه، وقد ذكر الله تعالى سادات المسلمين في عزتهم فقال:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ
هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾. وذكرهم في رحمتهم فقال:﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ﴾ ونعم القدوة هم لجميع المسلمين.
هناك تعليق واحد:
لا يجوز التفضيل بين الناس على أساس الدنيا , فقد روى أحمد ( 157/5) بسند صحيح عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا أبا ذر , انظر أرفع رجل في المسجد , قال فنظرت , فإذا رجل عليه حلة , قال : قلت : هذا , قال : قال لي : انظر أوضع رجل في المسجد , قال فنظرت , فإذا رجل عليه أخلاق (1) قال : قلت : هذا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لهذا عند الله أخير يوم القيامة من ملء الأرض مثل هذا " .
هذا في التفضيل بين مسلم ومسلم , فكيف في التفضيل بين مسلم وكافر ؟
ويعظم هذا الجانب عند تذكر أصل الولاء والبراء , والله المستعان .
(1) : أي ثياب بالية .
إرسال تعليق