الفِكْرُ والتَّفكُّر
الحمد لله الذي كرّم عباده بالفكر وحملهم في البرّ والبحر ثم الصّلاة والسّلام
على أفضل البشر محمّد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بالأثر أما بعد:
فإن التّفكر من صفات أولي
الألباب قال سبحانه:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ
هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
وقد عدّ السّلف التّفكر من أفضل العبادات
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: تَفَكُّرُ
سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ. رواه ابن
سعد في الطبقات
وعَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ قال:قُلْتُ لأُمِّ
الدَّرْدَاءِ: أَيُّ عِبَادَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَانَتْ أَكْثَرَ؟قَالَتْ:
التَّفَكُّرُ وَالاعْتِبَارُ . رواه ابن عساكر في التاريخ
وقال مالك سمعت يحيى بن سعيد
يقول أول من صلى في المسجد ما بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه
كانوا إذا صلى الإمام الظهر قاموا فصلوا إلى العصر فقيل لسعيد بن المسيب لو قمنا
فصلينا كما يصلي هؤلاء فقال سعيد بن المسيب ليست العبادة بكثرة الصلاة ولا الصوم إنما العبادة التفكر في أمر الله
والورع عن محارم الله. رواه ابن سعد في الطبقات وابن عساكر في التاريخ
والتّفكر هو: الفِكْرُ والتأمل والتّدبّر،ومعناه : استعمال العقل في الفَهم بضابط
الشّرع،فإن لم يضبط بالشّرع انحرف وسُلب صفة التّفكر والفِكر أو قرن بما يلائمه
والسًّلب أدب مع الله؛ذلك أن الله جل وعلا نفى عن الذين لم يستعلموا عقولهم التي
وهبها لهم كما أمرهم صفة العقل قال
سبحانه: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ
الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ
عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾
والفكر إن لم يضبط بالشّرع قد يقود إلى الكفر
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ
خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا
بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ " رواه البخاري (3276)
ومسلم (214)
بل إن أحد أسباب دخول النّار هو عدم ضبط العقل بالشرع قال سبحانه عن أهل النار:﴿ وَقَالُوا لَو كُنَّا نسْمع أَو نعقل مَا كُنَّا فِي
أَصْحَاب السعير﴾
وليس معنى كلامهم أنّ الله لم يخلق لهم عقلا لا؛ بل معناه أنهم لم يعقلوا
بعقولهم كما أراد ربهم جلّ وعلا فسلبوا صفة
العقل كما قدمت لك أولا .
وقد
شُوِّه مفهوم الفكر والتّفكير في هذا الزمن حتّى تسلّقه كلّ
كسيح وادّعاه كلّ مفلس، والمصيبة الأعظم من ذلك افتتان كثير من العامّة بهؤلاء المفكّرين
الرّويبضات المدّعين حتى إنّ كثيرا من
النّاس صار يقدّم تفكيرهم على شرع الله جلّ
وعلا، وأشخاصهم على أئمة الدّين، وأهل العلم.
والواقع يشهد على أنّ أكثر هؤلاء المفكّرين رويبضات ومدّعين
حتى إنّ بعضهم أقرّ على نفسه أنه لا يحسن الصّلاة فكيف يكون من لا يحسن
الصّلاة مفكرا عن الأمة. إن لله وإن إليه راجعون.
وهذه ليست دعوة للتّطاول على أهل
الفكر، ولا دعوة إلى الجمود وركن العقول على الرّفوف وإنما هي دعوة لتنقيح الفكر
وتهذيبه بالشرع ، لأنه إن فعلنا ذلك نطقنا بالعزائم ورأينا العجائب
عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ؛ قَالَ: إِنَّ
الْحُكَمَاءَ ضَرَبُوا التَّفَكُّرَ بِالتَّذَكُّرِ، وَالتَّذَكُّرَ
بِالتَّفَكُّرِ؛ حَتَّى نَطَقُوا بِالْعَزَائِمِ وَرَأَوُا الْعَجَائِبَ. رواه الدينوري في
المجالسة
وللشّيخ العلّامة صالح آل الشيخ
كلام يعتبر مرجعا في هذا الباب وهو على هذا الرّابط http://saleh.af.org.sa/node/48 لمن أراد الإفادة منه
والحمد لله رب العالمين
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق