الجمعة، 27 فبراير 2015

عاصمة المقتدي وقاصمة المعتدي







                      عاصمة المقتدي وقاصمة المعتدي


الحمد لله الذي جعل لعباده عواصم يعتصمون بها إذا التبس الحق بالباصل وادعى الحق كل مبتدع وصائل ثم الصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم ترعيني في كتاب الله جل وعلا عاصمة من الفتن وقاصمة لأهل البدع كقوله جل في علاه:
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)   
قال البغوي أَيِ: اسْتَقِمْ يامحمد عَلَى دِينِ رَبِّكَ وَالْعَمَلِ بِهِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ كَمَا أُمِرْتَ،لا تزد على ذلك ولا تنقص﴿ وَمَنْ تابَ مَعَكَ أَيْ: وَمَنْ آمَنَ مَعَكَ فَلْيَسْتَقِيمُوا على طاعة الله كما أمروا فلا يزيدوا على ذلك ولا ينقصوا.
 والِاسْتِقَامَة أيها المسلمُ: أَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، ولا تراوغ روغان الثّعالب.كما روي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه
  وحقيقة الاستقامة على الطّاعة: المداومة على القيام بحقّها من غير إخلال بها، فلا يكون فى سلوك نهج الوفاق انحراف عنه.
والمستقيم: من لا ينصرف عن طريقه، يواصل سيره بمسراه، وورعه بتقواه، ويتابع فى ترك هواه. قاله القشيري في تفسيره
وهذه الآية ليست للأمر بالعبادة عموما ولا خصوصا فهي ليست للأمر بالصلاة ولا للأمر بالزكاة ولا للأمر بالصيام ولا للأمر بالحج ولا للأمر بالجهاد، وإنما جاءت هذه الآية لتأمرني وإياك ياعبد الله  وكل مسلم بأن نعبد الله كما أمر الله فنصلي لله كما أمر الله ونزكي لله كما أمر الله ونصوم لله كما أمر الله ونحج البيت لله  كما أمر الله ونجاهد في سبيل الله كما أمر الله ولا نجاوز في شيء من طاعة الله أمر الله جل وعلا
وتدبّر قوله جل وعلا: ﴿ ولا تطغوا، ما قال ولا تعصوا ولا قال ولا تتركوا وإنما قال﴿ ولا تطغوا وَالطُّغْيَانُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ؛لأن الأمر في الآية ليس أمرا بالطاعة والعبادة وإنما هو أمر باتباع الأمر فيها.
  وهي بذلك تفيدك: أن الذي يؤدي العبادة التي أمر بها ثم يزيد فيها أو ينقص منها معتقدا الفضل كان كالذي لم يؤديها
فمن صلى ثم زاد في صلاته أو أنقص؛ ركعة أو سجدة  معتقدا أنها هكذا أفضل
كان كالذي لم يؤديها بل أسوأ وأظلم وأكفر، وكذلك الأمر في الزكاة والصيام والحج والجهاد في سبيل الله وغيرها من الطاعات.   
عن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» رواه مسلم
وبتلك الآية وهذا الحديث تضرب وجه كل مبتدع،فإذا رأيت أي شخص يفعل أي شيء يزعم أنه عبادة وتقرب إلى الله جل وعلا فقل له : أين أمر الله على ما تفعل؟ لأن الله جل وعلا يقول: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  أين أمر النبي  صلى الله عليه وسلم على ما تصنع؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» قل هذا لكل صوفي يزعم أنه يتقرب إلى الله بدعاء الأموات قله لكل حزبي يزعم أنه سيحكم شرع الله باتباع سبيل غير المؤمنين  قله لكل خارجي داعشي يزعم أنه ينصر الإسلام بقتل الأنفس التي حرم الله ، ثم انصحه قل له عد إلى الحق،عد إلى الصواب،عد إلى السنة،وحاول أن ترده فإن أبى فكن عدوّه ولا تبالي.

            والحمد لله رب العالمين


الأربعاء، 18 فبراير 2015

التَّطرُّف







التَّطرُّف
الحمد لله الذي جعلنا أمة وسطا ثم الصّلاة والسّلام على خير من توسّط محمّد وعلى آله وأصحابه و من وسَطَ أما بعد:
فإنه قد شاع على ألسنة النّاس إطلاق لفظ التّطرف على من فعل فعلا يرونه تشدّدا في دين الله جل وعلا            
والتطرّف من الطَّرَف وهو جانب الشّيء وناحيته وحرفه 
وفي التَّنزيل : ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِها
والمتطرِّف: من اتخذ الطّرف أو الحرف دينا أو مَنهجًا أو خُلقا أو مَسكنًا وفي التنزيل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
والتّطرف كاصطلاح يدلُّ على انحراف فرد أو جماعة في العقيدة أو السُّلوك بغلو أو جفاء ،وهو اصطلاح مُحدثٌ لم يعرفه السَّلف الصّالح - رضي الله عنهم-.
وأصلُ استِعْمالِ هذا اللّفظ لم يكن من أهل العلم بالشّرع ، وإنما استعمله رجال السّياسة ومفكّروها استعمالا سيّئا وآخر حسنا،والسّيئ أكثر،ذلك أنهم رموا به في كثيرا من الأحيان أهل الحقّ والسنّة،والغالب على هؤلاء أنهم يطلقون التطرف على المفرط الزائد الغالي بزعمهم(1) ومثله مصطلح الإرهاب، ومها يكن من شيء فإنه لا ينبغي تجاوز الشّرع في الوصف والنّبي صلى الله عليه وسلّم قد وصف التّشدّد في الدّين بالغلوّ
  عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الحج: «أمثال هؤلاء فارموا , وإياكم والغلو في الدين , فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه.
 وكذلك علينا أن نصفهم كما وصفهم نبينا صلّى الله عليه وسلّم ولا نتقدم بين يديه. قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
"وتحذير النّبي صلّى الله عليه وسلّم لنّا من الغلوّ ليْس تحذيرا من مجهول أو متشابه وإنما هو تحذير من معلوم فمن وقع فيه فلِعَيْب فيه وقع لا لخفاء الغلوّ" 
وليس مطلوبا من كل مسلم أن يكون عالما بتفاصيل ودقائق ما يكون غلوا في الدّين  وإنما حسبه أن يتّبع قول الله جلّ وعلا:﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَلأن ما يحذَرُه المسلم من الغلوّ والفتن مما بجب عليه أن يسأل عنه حتى لا يقع فيه.                                   
 قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان النّاس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني" رواه البخاري ومسلم
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ قَالَ: « أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ» رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني
  

                 والحمد لله رب العالمين
 -------------------------------------------------
) فتاوى الإمام ابن باز- رحمه الله-