الثلاثاء، 31 مارس 2015

العاصفة




العاصفة
 



 إن مما اتفق عليه أهل الملة أنه ليس شيء من شؤون المسلم إلا وهو من الإسلام ؛أكله ،وشربه، ونومه، وبوله وغائطه عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ. رواه مسلم
وإذا كان الأمر كذلك فما بال ثلة من أهل الفكر والسّياسية بزعمهم يقولون السّياسة ليست من الدين وقد كذبوا -والله- بل السّياسة من الدّين بل الدّين كله سياسة قال صلى الله عليه وسلم:" كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء" متفق عليه
قال العلاّمة البشير الإبراهيمي-رحمه الله-: "نحن سياسيون منذ خلقنا، لأننا مسلمون منذ نشأنا، وما الإسلام الصحيح بجميع مظاهره إلا السياسة في أشرف مظاهرها، وما المسلم الصحيح إلا المرشح الإلهي لتسيير دفّتها أو لترجيح كفّتها، فإذا نام النائمون منا حتى سلبت منهم القيادة ثم نزعت منهم السيادة، فنحن- إن شاء الله- كفّارة الذنب،
وحبل الطُّنْب. إ ه"
ولا إخال أكثر الذين أثاروا "عاصفة الحزم" إلا من دعاة فصل السياسة عن الدّين، فإن أنكروا فهم من المتأثرين بهم ،فإن أبوا فقد تشبهوا بهم وليس وراء ذلك شيء يفرون إليه
والدّليل أن عاصفتهم التي أثاروها جعجعة ليس لها طحين وإن كان فهو طحين حرّم أكله وإنّ الله إذا حرّم أكل شيء حرّم ثمنه وحرّم الوسائل المؤدية إليه
والطحين الذي يريدون إطعامه لليمنيين هو الديموقراطية بزعمهم وهو شعار قد رفعوه قديما في ليبيا ويرفعونه اليوم في سوريا، وقد رأينا كما رأت الإنس والجن والدّواب ذلك الطحين وعاقبة من طعمه، ثم منذ متى يا هؤلاء كانت الديموقراطية شيئا يقاتل المسلم لأجله أين وجدتم ذلك في كتاب الله أو سنة نبيّه صلى الله عليه وسلم ، وقد يكون للقوم مبرر آخر لا أعلمه
وعموما ليس من شأني الحديث عن حكم هذه العاصفة فلذلك
قوم لست منهم ،وهم العلماء المستنبطون قال سبحانه:﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا
وإنما أردت التنبه على أن ما يفعله القوم هو من الدين وإذا كان كذلك فيجب أن يتقدم فيه أهل العلم والقوم قد أخطئوا خطئا فادحا بتهميش العلماء الرّبانيين في ذلك حتى أنك لا تكاد تعرف في عاصفتهم قولا لعالم مستنبط، ولا أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة السّعودية عن ذلك رأيا ولا فتوى.
ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .   


                    

الاثنين، 23 مارس 2015

الانتخاب



الانتخاب~*·~☆~

 الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والباقين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فمازال الانتخاب كوسيلة لاختيار ولي الأمر من أكثر المواضيع طرحا وشرحا، وأخذا، وردا 
والانتخاب: مصدر انتخب ينتخب أي: اصطفى واختار وليس في القرآن , ولم يختلف الناس في الانتخاب كمعنى لغوي وإنما اختلفوا في تطبيقه الواقعي كأسلوب لاختيار ولي الأمر.  
 وهو نوعان: انتخاب بشري وانتخاب إلهي.
فالانتخاب الإلهي: هو اصطفاء الله جل وعلا من يشاء من عباده رسلًا وأنبياءً قال تعالى:  ﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس
وأما الانتخاب البشري : فهو  اختيار  بعض الناس ممن تتوفر فيهم شروط معينة لولي الأمر، وتختلف هذه الشروط باختلاف العادات والأنظمة ففي الأنظمة المدنية العبرة تكون بالسنِّ غالبا و في غيرها غير ذلك، وأما في الإسلام فالعبرة بالعلم والعقل والنسب.
وقد اختلف أهل العلم في حكم الانتخاب على الطريقة المدنية وأكثر المعاصرين على تحريمه بحجة أنها طريقة غربية كفرية. ومسألة الانتخاب مسألة بكر تحتاج إلى متظلع يفض بكارتها ويفك طلسمتها، قال العلامة ابن باديس: ولعل كاتبا من كتّابنا يتناول هذا البحث - بحث الانتخاب في الإسلام- ولئن استرشد القرآن في هذا الباب ليرشدنه إ ه 
ولا تحضرني آية من كتاب الله فيها كيفية انتخاب ولي الأمر سوى قوله تعالى:  ﴿أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤتى سعة من المال  وهي تبين أن معيار اختيار ولي الأمر عند هؤلاء القوم هو المال والجاه وأن معيار اختيار الله هو البسطة في العلم والجسم ولا تدل على كيفية الاختيار.
وحتى ما جاء في السنة من أحاديث كيفية الولاية والتأمير جاء مجملا غير واضح وضوحا لا لبس فيه إلا أنه دل بمجمله دلالة لا لبس فيها على أن وليَّ الأمر لا يكون وليًا للأمر إلا إذا اختارته الأمة ورضيت به كما نص على ذالك الإمام ابن باديس - رحمه الله -  في رسالته " أصول الولاية " قال - رحمه الله - :
الأصل الأول: لا حقَّ لأحد في ولاية أمر من أمور الأمة إلا بتولية الأمة؛ فالأمة هي صاحبة الحق والسلطة في الولاية والعزل(١) فلا يتولى أحد أمرها إلا برضاها فلا يورث شيء من الولايات ولا يستحق الاعتبار الشخصي   إ ه.

فمن تلك الأحاديث ما أخرجه الإمام أحمد وغيره.
(   ) عن علي ابن أبي طالب قال قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- « لو كنت مؤمِّرًا أحدًا دُونَ مَشُورَةِ الُمؤْمِنِين لَأَمَّرْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ » . رواه احمد (٥٦٦)
و الترمذي(3808)و (3809) وابن ماجة (137) كلهم من طريق الحارث عن علي  والحارث ضعيف  وأخرجه النسائي في" الكبرى" (8210)  والحاكم  في المستدرك (3/318) من طريق عاصم بن ضمرة عن علي وصحح  هذه الطريق أحمد شاكر في تعليقه على المسند وضعفه الألباني 


 

وهذا الحديث نص في أن الولاية لا تكون إلا بالتشاور بين المؤمنين لكنه لم ينص على الذين يتشاورون في ذلك هل هم عامة الناس أم خاصتهم أم تحددهم الحاجة والضرورة والمكانة ؟

وإذا رجعنا إلى تاريخنا الإسلاميِّ خاصةً إلى القرون الفاضلة فيه نجد أنهم لم يتبعوا منهجًا واحدًا في التَّأمير والاستخلاف، فأبو بكر وهو أول خليفة للمسلمين ينتخب انتخابًا بشريًا لم ينتخبه عامة الناس ولا خاصتهم وإنما بايعه عمر فلما بايعه تابعه الناس على ذلك، وعمر تولى الخلافة بوصية أبي بكر، وأول من تولى الخلافة بالشورى عثمان بن عفان وأما علي ومعاوية فأمرهما معلوم ثم صارت الخلافة بعد ذالك ملكا ووراثة. واختلاف هؤلاء الأفاضل وتباينهم في انتخاب ولي الأمر دليل على السَّعة والجواز.
  وأمَّا قبل مجيء الإسلام فكانت سنَّةُ العرب وعادتهم في التَّأمير تتم باجتماع أولي الرأي والمشورة من القبيلة فيختارون أحدهم سيِّدًا عليهم ومقدَّمًا فيهم وقد اجتمعت قريش وعرضت على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسوِّدوه على أن يترك ما جاء به، فأبى ذلك - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-  ولم يعرضوا عليه ذلك إلَّا مراعاة للمصلحة، واجتمعت الأوس والخزرج على تعميم عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول لنفوذه وكثرة أتباعه. ......
  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
  (١) كونها صاحبة الحق والسلطة في الولاية دليله حديث علي - رضي الله عنه-  وأما سلطة العزل فلعل الإمام أخذها من عزل عمر بن الخطاب لسعد - رضي الله عنهما- .