قال تعالى :﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ
وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ
مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ (١٨)
قال تعالى :﴿ هل اتاك حديث
موسى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٦) اذْهَبْ إِلَى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨)
وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (١٩) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (٢٠)
فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢) فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣)
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ
وَالْأُولَى ﴾
قال تعالى:﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ (١٢).
قال أبو عبد الرحمن: هذه الآيات أصل كل ادِّعاء فكلُّ من ادَّعى أنَّه خير من غيره
بغير حقٍّ فإنه شبه للشَّيطان وكلُّ من ادَّعى منزلةً لم تثبت له ففيه شبه من اليهود
والنَّصارى ومن ادَّعى الربوبية ففيه شبه من فرعون.
قال تعالى:﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْئُولًا ﴾[ الإسراء:٣٦]
قال الإمام عبد الحميد بن باديس - رحمه الله- : «من اتَّبع ما ليس له به علم فاعتقد الباطل في أمر الدِّين أو في حقِّ الناس أو
قال الباطل كذلك فيهما أو فعل المحظور فهو آثم من جهتين: اتباعه ما ليس له به علم
واعتقاده أو قوله للباطل وفعله للمحظور، ومن اعتقد حقًّا من غير علم أو قال في الناس
صدقا عن غير علم أو فعل غير محظور عن غير علم فإنه- مع ذلك – آثم من جهة واحدة
وهي اتَّباعه ما ليس له به علم ومخالفته
لمقتضى هذا النهي».
( ) عن أسماء - رضي الله
عنها - : أن امرأة قالت :
يا رسول الله إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني فقال
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور
" متفق
عليه
فائدة : قال بن حجر : وأما حكم التثنية في قوله " ثوبي زور" فللإشارة
إلى أن كذب المتحلِّي مثنًى لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ وعلى غيره بما لم يعط .
( ) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " من طبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن " ابن ماجة (٣٤٦٦) وغيره وهو حديث حسن
( ) عن أبي هاشم قال
: لولا حديث بن بريدة عن أبيه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقلت : أن القاضي إذا
اجتهد فليس عليه شيء ولكن قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « القضاة ثلاثة
اثنان في النَّار وواحد في الجنة، رجل عرف الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق
ولم يقض به وجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف فقضى للناس على جهل فهو في النار». أبو داود (٣٥٧٣) الترمذي (١٣٢٢) النسائي (٥٨٩١) ابن ماجة
(٢٣١٥)وهو حديث حسن
قال البيهقي في الكبرى (١١٧/١٥): ⦅اجتهاده بغير علم لا يهديه إلى الحقِّ إلا اتفاقًا فلم يكن مأذونا
له فيه⦆.
قال أبو عبد الرحمن: والقضاء هو الحكم وهو عام في جميع الأحكام دقيقها وجليلها وجميع
القضاة والحكَّام والمفتين لا يستثنى منهم شيء فكل من حكم أو أفتى بغير علم فهو مذموم وآثم سواء أصاب الحق أو أخطأه وقد تقدم
كلام الإمام بن باديس -رحمه الله-.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: ⦅ من تكلف ما جهل ولم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب إن وافقه من
حيث لا يعرفه غير محمودة - والله أعلم - وكان بخطئه غير معذور إذا ما نطق فيما لا يحيط
علمه بالفرق بين الخطإ والصواب فيه⦆.
قال أبو عبد الرحمن: يقصد الإمام بقوله " إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين
الخطإ والصواب فيه - والله أعلم -" انه لا يعرف وجه الصواب إن أصاب ولا وجه
الخطإ إن أخطأ.
قال أبو سعيد السيرافي لأبي بشر متى في مناظرة بينهما في مجلس الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات: ⦅هاهنا مسألة ما تقول في قول القائل " زيد أفضل الإخوة؟ قال: صحيح، قال: فما تقول إن قال زيد أفضل إخوته؟ قال: صحيح قال فما الفرق بينهما مع الصحة فبلح وغص بريقه فقال أبو سعيد أفتيت على غير بصيرة ولا استبانة.
قال أبو سعيد السيرافي لأبي بشر متى في مناظرة بينهما في مجلس الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات: ⦅هاهنا مسألة ما تقول في قول القائل " زيد أفضل الإخوة؟ قال: صحيح، قال: فما تقول إن قال زيد أفضل إخوته؟ قال: صحيح قال فما الفرق بينهما مع الصحة فبلح وغص بريقه فقال أبو سعيد أفتيت على غير بصيرة ولا استبانة.
المسألة الأولى: جوابك عنها صحيح وإن كنت غافلا عن وجه صحتها، والمسألة
الثانية جوابك عنها غير صحيح وإن كنت أيضا جاهلا عن وجه بطلانها. ⦆
فائدة:
قال الحريري في"درة الغواص في أوهام الخواص" ⦅وَيَقُولُونَ: زيد أفضل إخوته فيخطئون فِيهِ، لِأَن أفعل الَّذِي للتفضيل لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى مَا هُوَ دَاخل فِيهِ، ومنزل منزلَة الْجُزْء مِنْهُ، وَزيد غير دَاخل فِي جملَة إخوته، أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لَك قَائِل: من إخوة زيد لعددتهم دونه، فَلَمَّا خرج عَن أَن يكون دَاخِلا فيهم امْتنع أَن يُقَال: زيد أفضل إخوته كَمَا لَا يُقَال: زيد أفضل النِّسَاء لتميزه من جنسهن وَخُرُوجِه عَن أَن يعد فِي جملتهن.
قال الحريري في"درة الغواص في أوهام الخواص" ⦅وَيَقُولُونَ: زيد أفضل إخوته فيخطئون فِيهِ، لِأَن أفعل الَّذِي للتفضيل لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى مَا هُوَ دَاخل فِيهِ، ومنزل منزلَة الْجُزْء مِنْهُ، وَزيد غير دَاخل فِي جملَة إخوته، أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لَك قَائِل: من إخوة زيد لعددتهم دونه، فَلَمَّا خرج عَن أَن يكون دَاخِلا فيهم امْتنع أَن يُقَال: زيد أفضل إخوته كَمَا لَا يُقَال: زيد أفضل النِّسَاء لتميزه من جنسهن وَخُرُوجِه عَن أَن يعد فِي جملتهن.
وَتَصْحِيح هَذَا الْكَلَام أَن يُقَال: زيد أفضل الإخوة، أَو أفضل بني
أَبِيه لِأَنَّهُ حينئذٍ يدْخل فِي الْجُمْلَة الَّتِي أضيف إِلَيْهَا بِدلَالَة
أَنه لَو قيل لَك: من الإخوة أَو من بَنو أَبِيه لعددته فيهم وأدخلته مَعَهم⦆.
قال أبو عبد الرحمن : حكم أبو سعيد على جواب أبي بشر كله أنه فتيا على غير بصيرة ولا استبانة
. مع أنه كان مصيبا في بعض كلامه لأن هذه الإصابة كانت اتفاقا كما مرَّ في كلام
البيهقي.
والشافعي -رحمه الله - إن كان جعل هذه العبارة قاعدة في
كتابه هذا وهو "الرسالة " فإنه جعلها في باقي مؤلفاته منهجا علميًّا في
مناظرة مخالفيه والرد عليهم ومن ذلك ما ذكره في باب الخلاف من المستحاضة الرد على
من قال : لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام . الأم ( ١٤١/٢- ١٤٢)
( ) عن
أبي هريرة قال قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : من أفتى
بغير علم كان إثمه على من أفتاه ومن أشار على أخيه في أمر يعلم أن الرشد في غيره
فقد خانه " أبو داود (٣٦٧٥)
( )
عن حندب بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ "
الترمذي ( ) وهذا
حديث ضعيف السند صحيح المعنى
قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة ": الْوَجْه
الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ أن الْعَامِل بِلَا علم كالسائر بِلَا دَلِيل وَمَعْلُوم أنَّ عطب مثل هَذَا أقْربُ من سَلَامَته وأن قدر سَلَامَته اتِّفَاقًا نَادرا فَهُوَ
غير مَحْمُود بل مَذْمُوم عِنْد الْعُقَلَاء وَكَانَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية
يَقُول: ⦅من فَارق الدَّلِيل ضل السَّبِيل⦆.
قال أبو عبد الرحمن -غفر الله له - : اعلم - رحمك الله - أنّه إنما ذُمَّ من ذُمَّ في الآيات و الأحاديث المتقدمة لأنه تشبَّع بما لم
يعط وتجاوز حده ومرتبته وهذا التجاوز مراتب ودرجات أعظمها ادِّعاء الألوهية أو
الربوبية أو النبوة أو القرابة أو ادعاء الرسالة، فهولاء لا شك كفار. ودونهم من
ادعى العلم أو الإمامة ونحو ذلك وهم عامة
ودهماء فهؤلاء نشكوهم إلى الله عز وجل فقد أضلوا العباد وخربوا البلاد.
وينبغي لمبتغي
السلامة وطالب النجاة أن يكون متبعا لسيرة الأنبياء المعصومين مقتفيا لآثر
السابقين بالخيرات من الصحابة والتابعين والأئمة المهديين كما أمره بذلك ربه عز
وجل،الله رب العالمين.
أبو عبد الرحمن شعبان بن محمد الهلالي❖❖❖
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق