الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

تنبيه الخلف إلى وجوب اتباع فهم السلف (٢)






─═☆ الفَهْمَ ◆◇◆الفَهْمَ ☆═─


والفهم فهمان:
 فهم موجود: فالواجب اتباعه والتمسك به ولايجوز تعديه؛كفهم معنى كلمة التوحيد  
 وفهم مقصود: والوجب بذل الجهد واستفراغ الوسع في قصده واتباعُ طريق السّلف في إرادته وتحصيله؛لأن فهمهم -رضي الله عنهم- قد ضمن الله جل وعلا  صحته وصوابه قال سبحانه﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ   وقال ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بني إسرائيل حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بني إسرائيل تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً»، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» الترمذي وغيره وحسنه الألباني.

وعن صالح بن كَيْسَان، قَالَ: اجتمعت أنا والزُّهْرِيّ ونحن نطلب فقلنا: نكتب السنن فكتبنا ما جاء عن النَّبِيّ - عَلَيْهِ السلام، ثم قلت: نكتب ما جاء عن الصحابة فإنه سنة، قَالَ: قلت أنا: ليس بسنة فلا نكتبه قَالَ: فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت. ابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير"
قال ابن القيم : والصحابة رضي الله عنهم أَحَقّ الْخَلْق بِالْإِصَابَةِ فِي الْفَهْم. تهذيب السنن بتصرف
وقال أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي في "التَّكْميل في الجَرْح والتَّعْدِيل" بعد أن ذكر  قول موسى بن يسار: إن الصحابة كانوا أعراباً جفاة، فجئنا نحن أبناء فارس فلخصنا هذا الدين.
قال رحمه الله:هذا الكلام فيه دَغَل وخطأ كبير، وكَذِب كثير، وجَهْل بَليِغ، يدل على الخلل في القائل وما قال  -بل والله- قد كان الصحابة أعلم بالله وبرسوله وبمعنى كلامهما من كل من جاء بعدهم، فإنما يَعْقل هذا الراسخون في العلم الثاقبون في الفهم. التَّكْميل في الجَرْح والتَّعْدِيل ومَعْرِفة الثِّقَات والضُّعفاء والمجَاهِيل.
وباتباع فهم السلف الصالح تميز أهل الحق عن غيرهم فأهل الحق قالوا نتبع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح وغيرهم قالوا هم رجال ونحن رجال فضلوا وأضلوا كثيرا 
ولحصول الفهم الصحيح شروط:
أولا- سلامة القلب من الشك الشرك : لأن القلب بيت الفهم قال جل وعلا:﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا أي:لا يفهمون بها، وسلامة القلب شرط لحصول كل خير قال جل وعلا:﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
 قال أَبو عَبْدِ اللَّهِ الرُّوذْبَارِيُّ،: «الْعِلْمُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ، وَالْإِخْلَاصُ لِلَّهِ يُوَرِّثُ الْفَهْمَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» الخطيب قي اقتضاء العلم العمل
ثانيا:ترك الذنوب والمعاصي والتوبة إلى الله جل وعلا منها
قال جل وعلا:﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
وتأمل في قصة قابيل وهابيل وتدبر كيف غاب عن قابيل أن يدفن أخاه حتى صار الحيوان أعلم وأفهم منه فعلّمه كيف يواري سوءة أخيه وعرف هو أن هذا الذهول  إنما حصل له بسبب ذنبه ومعصيته فقال:﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١)
وقال سفيان بن عيينة: كنت قد أوتيت فهم القرآن، فلما قبلت الصرة من أبي جعفر سلبته نسأل الله المسامحة. الخطيب في الجامع
قال الشاعر:
شَرِبْت الْإِثْمَ حَتَّى زَالَ عَقْلِي ... كَذَاك الْإِثْمُ يَذْهَبُ بِالْعُقُولِ
ثالثا: العلم. قال ،البخاري: بَابُ الفَهْمِ فِي العِلْمِ
 والعلم شرط لحصول الفهم بنوعيه فلا يكون الفهم إلا بالعلم لتوقف الْفَهم عليه. السيوطي في "إتمام الدراية".
ولا يكون الفهم صحيحا إلا إذا كان العلم صحيحا فالفهم ظل العلم فإذا فسد العلم فسد الفهم كيف يستقيم الظل والعود أعوج.
قال يحي ابن معين: الْعِلْمَ هُوَ الْفَهْمُ وَالدِّرَايَةُ وَلَيْسَ بِالْإِكْثَارِ وَالتَّوَسُّعِ فِي الرِّوَايَةِ الخطيب في الجامع
والمرء يستغني بحسن فهمه عن كثير من تفاصيل العلم
عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قال: أتى رجلٌ رسولَ الله
 - صلَّى الله عليه وسلم - فقال: أقرئني يا رسولَ الله، فقال: "اقرأ ثلاثاً من ذوات {الر} " فقال: كَبِرَتْ سنِّي، واشتدَّ قلبي، وغَلُظَ لساني، قال: "فاقرأ ثلاثاً مِن ذوات (حم) " فقال مثل مقالته، فقال: "اقرأ ثلاثاً من المُسبِّحات" فقال مثل مقالته، فقال الرجل: يا رسول الله، أقرئني سورةً جامعةً، فأقرأه النبي - صلَّى الله عليه وسلم -﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ  حتى فَرَغَ منها، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيدُ عليها أبداً، ثم أدْبَرَ الرجلُ، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلم -: " أفلح الرُوَيْجِلُ" مرتين أخرجه أبو داود    (١٣٩٩) وأخرجه النسائي في "الكبرى" (٧٩٧٣) و (١٠٤٨٤) من طريق عبد الله بن يزيد، بهذا الإسناد. وهو في "مسند أحمد" (٦٥٧٥)، و"صحيح ابن حبان" (٧٧٣)
قال ابن القيم: والفطن يكتفي بأدنى إشارة، وأما غليظ الفهم فلا ينجع فيه كثرة البيان.

والحديث عن أهمية الفهم اليوم،خاصة فهم السلف الصالح صار مما يجب على المسلمين جميعا؛عوامهم وخواصهم أن يتناصحوا فيما بينهم على الاعتناء به والتمسك بفهم السلف الصالح رضي الله عنهم عسى أن يكونوا من الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
ومما يحسن التنبيه عليه أن الكتب التي اعتنت بالفهم بهذا العنوان قليلة ومن تلك العناوين
كتاب: صيقل الفهم تأليف راغب باشا الرومي
وكتاب: ثَمَر التَّمام فِي شرح آدَاب الْفَهم والافهام تأليف الأمير السنباوي المغربي.
   فوائد
قال القنوجي في "الحطة":  نقل الرَّازِيّ عَن الْحُكَمَاء أَن الْفَهم وَالْحِفْظ لَا يَجْتَمِعَانِ على سَبِيل الْكَمَال لِأَن الْفَهم يَسْتَدْعِي مزِيدرُطُوبَةٍ فِي الدِّمَاغ وَالْحِفْظُ يَسْتَدْعِي مزِيد يبوسة فِيهِ وَالْجمع بَينهمَا على سَبِيل التَّسَاوِي مُمْتَنع عَادَة. قال الشاعر
آه على فهم وَحفظ وَأَن        استحضر الْأَشْيَاء فِي وَقتهَا

ونقل قال محمد الغزالي عن بعضهم قوله : من كان أنفه غليظاً ممتلئاً فهو قليل الفهم، وسمن البدن من كثرة الشحم، ويكون صاحبه بليداً كثير النسيان، قليل الفهم، جباناً،من كتاب نوادر المخطوطات
  


                                     أبوعبد الرَّحْمَنِ شعبان الهلالي ❖❖❖




ليست هناك تعليقات: