الجمعة، 22 مايو 2015

ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان



ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان
الحمد لله الذي جعل لعباده في بعض ما خلق و شرع نفحات ، ثم الصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد القائل ما صحّحه الحفّاظ الأثبات : «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ»
رواه الطبراني في " الكبير " ( 720) وصححه الألباني.
ألا وإنه قد أ ظلّ المسلمين شهر عظيم مبارك؛هو شهر شعبان، شهر العطايا والهبات،شهر الشّعابين والشّعبانات.
 قال أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ ثَعْلَبٌ:  كَانَ شَعْبَانُ شَهْرًا تَتَشَعَّبُ فِيهِ الْقَبَائِلُ، أَيْ: تَتَفَرَّقُ لِقَصْدِ الْمُلُوكِ وَالْتِمَاسِ الْعَطِيَّةِ.  
وقد جاء في ذلك أثر موضوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « تدرون لم سمي شعبان؟ لأنه يشعب فيه خير كثير.» . رواه الديلمي (2/ 1/ 38)
وأفضل ما يحصل به المسلم الخير في هذا الشهر المبارك، ويتعرض به لنفحات الله عزّ وجلّ  الصّيامُ ، وصيام شعبان من أفضل الصيام بل قال ابن رجب الحنبلي: بل هو أفضل الصيام بعد رمضان .
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الصَّوْمِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: «شَعْبَانُ لِتَعْظِيمِ رَمَضَانَ» رواه الترمذي وضعفه الألباني
ولعظم فضل الصّيام في هذا الشّهر المبارك كان النّبي صلى الله عليه وسلم يصومه كلّه إلا قليلا
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا» رواه مسلم


ولما رآى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك قال له : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» رواه النّسائي وصححه الألباني
فيستحب للمسلم أن يصوم شعبان من أوله فإذا فرط في غُرره فلا يفرط في سُرره.
عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ - أَوْ لِآخَرَ -: «أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِشَعْبَانَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ» رواه مسلم
وسُرَّةُ الشَّهْرِ: وَسَطُهُ  وهِيَ أَيَّامُ الْبِيضِ وَهِيَ الثَّالِث عَشَرَ وَالرَّابِع عَشَرَ وَالْخَامِس عَشَرَ منه،ومن كل شهر،

 فإذا انتصف شعبان أمسك غير المعتاد على الصّيام عن الصيام لنهي النّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ، فَأَمْسِكُوا عَنِ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ» رواه أحمد وصححه الألباني
فإذا كان لأحد عادة في صيام شعبان كلِّه فليصمه كلَّه  
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَعَجَّلَ شَهْرُ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صِيَامًا فَيَأْتِي ذَلِكَ عَلَى صِيَامِهِ» رواه أحمد وصححه الألباني

وليلة النّصف من شعبان لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل. المدخل لابن الحاج
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لِكُلِّ نَفْسٍ؛ إِلَّا إِنْسَانٍ فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءٌ، أَوْ مُشْرِكٍ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» . رواه ابن أبي عاصم في" السنة" وغيره وصححه الألباني، وفي رواية للبيهقي قال:«إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه»

وقد كان بعض السلف -رضي الله عنهم- يقوم هذه الليلة
وأنكر ذلك كثير منهم.
عن زيد بن أسلم؛ قال: " ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلا على ما سواها ".رواه ابن وضاح في " في البدع والنهي عنها"
وعَنْ أَيُّوبَ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: إِنَّ زِيَادًا الْمِنْقَرِيَّ، وَكَانَ قَاصًّا يَقُولُ: إِنَّ أَجْرَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِثْلُ أَجْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: «لَوْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ وَفِي يَدِي عَصًا لَضَرَبْتُهُ بِهَا» رواه عبد الرزاق في "المصنف"
قال ابن تيمية:  إذَا صَلَّى الْإِنْسَانُ لَيْلَةَ النِّصْفِ وَحْدَهُ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ خَاصَّةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ، فَهُوَ أَحْسَنُ.
وَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ فِي الْمَسَاجِدِ عَلَى صَلَاةٍ مُقَدَّرَةٍ. فَهَذَا بِدْعَةٌ، لَمْ يَسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ.وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.



  





الثلاثاء، 12 مايو 2015

البَرَكَةُ



البَرَكَةُ
لم أكن أعرف معناها عندما كانت أمي أو أبي يقولها لمعلم القرآن في القرية أو الشّيخ الكبير أو العجوز الكبيرة عندما كانوا يزورونا، لكنّي كنت أشعر أنها عبارة تدلّ على التّقدير والاحترام والتّبجيل وبهذا المعنى رسخت كلمة البركة أو
( البراكة) كما كان أهل القرية يلفظونها في عقلي وقلبي،ولم تكن هذه الكلمة تقال في قريتي  إلا لأهل الفضل والخير والصّلاح شأنها في ذلك شأن كلمة (سي) والتي كانت لا تقال إلا لمن حفظ شيئا من كتاب الله جل وعلا.
 ثم هذه الكلمة؛أعني البركة، أو (البراكة)،ومثلها كلمة (سي) كانت من ألفاظ الكبار،ولا يسمح للصّغار بقولهما ففي ذلك الزّمن كان النّاس بالنّسبة لي ولأقراني إما عمّ أو عمّة أو خال أو خالة وأمّا معلّم القرآن فكنّا نقول له:( سيدي) ولم يكن يجوز لنا أن ننادي من يكبرنا سنّا باسمه مطلقا.
هكذا كنّا وهكذا كان معنى البركة  
وبعد أن كبرت ونلت شيئا من العلم عرفت أن ذلك المعنى الذي كان في مخيلتي عن البركة هو تقريبا نفسه المعنى الشَّرعي لهذه الكلمة الرّاقية،فقد صحّ عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلم أنه قال: " البركة مع أكابركم ".أخرجه ابن حبان (1912) وغيره وصححه الألباني   
والبركة معناها: الخير والزِّيادة وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث لفظ:" الخير"   مكان" البركة "، وفي التّنزيل قال الله جل وعلا عن عيسى عليه السلام: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ قال مجاهد: معلمًا للخير حيثما كنت.   
والبركة في الطعام الزيادة فيه.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قَوْلُ الْقَائِلِ: نَحْنُ فِي بَرَكَةِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ وَقْتِ حُلُولِهِ عِنْدَنَا حَلَّتْ الْبَرَكَةُ. فَقال: هَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ بَاطِلٌ بِاعْتِبَارِ.
 فَأَمَّا الصَّحِيحُ: فَأَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ هَدَانَا وَعَلَّمَنَا وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ فَبِبَرَكَةِ اتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ حَصَلَ لَنَا مِنْ الْخَيْرِ مَا حَصَلَ فَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ. كَمَا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرَكَتِهِ لَمَّا آمَنُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُ فَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُمْ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بَلْ كُلُّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَأَطَاعَهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ بَرَكَةِ الرَّسُولِ بِسَبَبِ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ. وَ أَيْضًا إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ وَصَلَاحِهِ دَفَعَ اللَّهُ الشَّرَّ وَحَصَلَ لَنَا رِزْقٌ وَنَصْرٌ فَهَذَا حَقٌّ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« وَهَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ؟ وَقَدْ يَدْفَعُ الْعَذَابَ عَنْ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ لِئَلَّا يُصِيبَ مِنْ بَيْنِهِمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ - إلَى قَوْلِهِ - ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًافَلَوْلَا الضُّعَفَاءُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ بَيْنَ ظهراني الْكُفَّارِ عَذَّبَ اللَّهُ الْكُفَّارَ: وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ لَأَمَرْت بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ ثُمَّ أَنْطَلِقُ مَعِي بِرِجَالِ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ »،وَكَذَلِكَ تَرَكَ رَجْمَ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ جَنِينَهَا. وَقَدْ قَالَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُفَبَرَكَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ بِاعْتِبَارِ نَفْعِهِمْ لِلْخَلْقِ بِدُعَائِهِمْ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَبِدُعَائِهِمْ لِلْخَلْقِ وَبِمَا يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ الرَّحْمَةِ وَيَدْفَعُ مِنْ الْعَذَابِ بِسَبَبِهِمْ حَقٌّ مَوْجُودٌ فَمَنْ أَرَادَ بِالْبَرَكَةِ هَذَا وَكَانَ صَادِقًا فَقَوْلُهُ حَقٌّ. وَأَمَّا " الْمَعْنَى الْبَاطِلُ " فَمِثْلُ أَنْ يُرِيدَ الْإِشْرَاكَ بِالْخَلْقِ: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مَقْبُورٌ بِمَكَانِ فَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يَتَوَلَّاهُمْ لِأَجْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُومُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهَذَا جَهْلٌ. انتهى كلامه رحمه الله
واليوم وأنا أذكر تلك الكلمة الطيّبة الرّاقية ( البركة) أو(البراكة) ومثلها كلمة (سي) ودلالاتهما عند جدتي وأهل قريتي مع جهلهم وقلة علمهم، أنظر إلى البقية الباقية من النّاس ممن بقي يقولها بازدراء واحتقار؛ ذلك أن أكثرهم صار يصف بالبركة من وصفه الله أو نبيه صلى الله عليه وسلم بالفسق والفجور كما أصبحت كلمة (سي) تضاف لكل من جمع المال وعدّده يحسب أنّ ماله أخلده، وأما معلم القرآن الذي كنّا نناديه سيدي ترى اليوم كثيرا ممن يعلمهم ينادونه باسمه  
 ولكني أومن بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». رواه مسلم
وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه