الأحد، 26 يوليو 2015

شوَّالُ في السّنَّة





شوَّالُ(1) في السُّنَّة


الحمدُ لله خَلَقَ كلَّ الأَشْيَاءِ سواء،ثم فضّل ما شاءَ منْها على ما شاء، ثمّ الصّلاة والسَّلام على أفضل الأنْبياء محمّد وعلى آله وأصْحابه والأوْلياء.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ اللهَ جلَّ وعلا قد تعبَّد عباده بالزَّمن(2) فليس شيء من العبادات التّي تعبّدهم بها إلاّ وقد تعبّدهم بها في زمن لا تصحّ قبله ولا تقبل بعده إلاّ لعذر.
والزّمن المتعبّد فيه: إمّا سنة، أو شهر، أو يوم، أو ساعة. فالزّكاة تعبّد الله بها عباده في السَّنة، والصّوم تعبّدهم به سبحانه في شهر هو رمضان، والحجّ تعبّدهم به في أشهر ثلاث هي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والصّلاة تعبّدهم بها في كلّ يومٍ في ساعات خاصّة منه
والسّنة هي السّنة لا فضل لسنة على سنة إلا بالتّقوى وما عُمِل فيها ، والسّنة اثنتا عشرة شهرا. 
قالَ جلَّ وعلا:﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾[التّوبة ]
فأعلمَ اللَّه جلَّ وعزَّ: أنّ عدّة شهور المسلمين، الذين تُعُبِّدُوا بَأن يجعلوا لِسَنَتِهِمْ - اثنا عشر شهراً، على منازل القمر، و بعض تلك الشّهور أفضل من بعض بما خصّها الله به من فضائل، وأفضلها شهر رمضان لما خصّه الله به من فريضة الصيّام،وهكذا باقي الشّهور بعضها أفضل من بعض بحسب ما جعل  الله فيها من فضائل.
وهذا شهر شوال شهر حوى فضائل وحفظ شمائل.
فهو: أول أشهر الحج
قال سبحانه: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة ]
والمعنى: الحج إنما يكون في أشهر معلومات لا يصح ولا يقبل في غيرها وهي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
والحج خامس أركان الإسلام فمن حج في شوال كان شوال له من أفضل الشهورلأنه أدى فيه فرضا من فرائض الله ،والله جل وعلا يقول في الحديث القدسي : « وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه » .
وشوّال شهر الاعتكاف لمن فاته الاعتكاف في رمضان
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ، فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً، فَأَذِنَتْ لَهَا، فَضَرَبَتْ خِبَاءً، فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى الأَخْبِيَةَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» فَأُخْبِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ» فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. رواه البخاري ومسلم

وشهر شوال خِلْفةٌ لمن فاته الصوم في شهر  شعبان
عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ لَهُ - أَوْ لِآخَرَ -: «أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِشَعْبَانَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ» رواه مسلم
والمعنى: إذا لم تصم أيام البيض في شعبان ثم صمت رمضان أفطرت منه فصم يومين من شوالٍ. 


وشوّال شهر النكاح
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ- وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟»، قَالَ: «وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ». رواه مسلم

وكان أهل الجاهليّة يكرهون النّكاح في شوّالٍ ويطّيّرون منه يقولون: إنه يشول بالمرأة فعافه الجهّال منهم وتركوا النكاح فيه فأبطل الله هذا التطير بزواج النّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعائشة -رضي الله عنها-.  

وشهر شوال كان شهرا مميزا عند العرب في الجاهلية لأن فيه كان
أعظم مواسمهم حيث كانوا يجتمعون في سوق عكاظ وَهُوَ نَخْلٌ فِي وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ فَكانُوا يُقِيمُونَ بِهِ جَمِيعَ شَوَّالٍ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَفَاخَرُونَ وَتُنْشِدُ الشُّعَرَاءُ مَا تَجَدَّدَ لَهُمْ ،قَالَ الْبَكْرِيُّ: أَوَّلُ مَا أُحْدِثَتْ قَبْلَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَمْ تَزَلْ سُوقًا إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَخَرَجَ الْخَوَارِجُ الحرورية فنهبوها فَتركت إِلَى الْآن.
وقد كان النّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذهب إليه وفي طريقه إليه كانت قصة استماع الجن للقرآن ونزول سورة الجن كما في البخاري.

  وَفِي شَوَّال كَانَ "حلف الفضول" وَهو أشرف حلف عرفته العرب وأعظمه بركَة حيث اجتمعت بَنو هَاشم وَأسد وزهرة وتميم فتعاقدوا وتحالفوا أن لَا يُظلم بِمَكَّة غَرِيب وَلَا قريب وَلَا حرٌّ وَلَا عبد إلا كَانُوا مَعَه حَتَّى يَأْخُذُوا لَهُ بِحقِّهِ ويردُّوا إِلَيْهِ مظلمته من أنفسهم وَمن غَيرهم ثمَّ عَمدُوا إِلَى مَاء زَمْزَم فجعلوه فِي جَفْنَة ثمَّ بعثوا بِهِ إِلَى الْبَيْت فغسلت بِهِ أَرْكَانه ثمَّ أَتَوا بِهِ فشربوه فَحدَّث هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ -رَضِي الله عَنْهَا- أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُول لقد شهِدت فِي دَار عبد الله بن جدعَان من حلف الفضول مَا لَو دعيت إِلَيْهِ لأجبت وَمَا أحب أَن لي بِهِ حمر النعم.

وسمي بحلف الفضول لأنه شابه حلفا آخر سبقه دعا إليه ثلاثة نفر اشتق اسمهم من الفضل وأسماهم الْفضل بن شراعة وَالْفضل ابْن ودَاعَة وَالْفضل بن قضاعة.

ويقال له أيضا "حلف المطيبّين" ذلك أن بَنو هَاشم و بنو زهرة وَبنو تَمِيم اجتمعوا فِي دَار ابْن جدعَان فِي الجاهلة وَجعلُوا طيبا فِي جَفْنَة وغمسوا أَيْديهم فِيهِ وتحالفوا على التناصر وَالْأَخْذ للمظلوم من الظَّالِم فسموا المطيبين، وفيه قال النّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" شهدت حلف المطيبين مع عمومتي - وأنا غلام - فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه ". رواه أحمد وغيره وصححه الألباني
والحديث يدل على أن العمل بهذا الحلف استمر بعد مجيء الإسلام.

قال ابن حبان: لَمْ يَشْهَدْ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ لِأَنَّ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ كَانَ قَبْلَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِلْفَ الْفُضُولِ، وَهُمْ مِنَ الْمُطَيَّبِينَ.(3)

ومن يستقصي فضائل شوال وما جاء فيه من شمائل يجد غير ما ذكرنا، ولا شك أن الاعتناء بمعرفة فضائل الشهور والأيام من أفضل ماينبغي للمسلم أن يشتغل به، ولا يوفق لذلك إلَّا من أحبه الله.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخميس، 16 يوليو 2015

التّذكير بسنّة التّكبير







                              التّذكير بسنّة التّكبير
الحمد الله الذي أمدّ أعمارنا حتى ختم بالصّالحات أعمالنا، نحمده سبحانه حمد من علم النّعمة وحفظ المنّة فكم من ميّت تمنى بلوغ هذا اليوم ولكنه مات، ولله فيما قدّر سبحانه حكم وغايات.
ثم الصّلاة والسّلام على سيّد السّادات محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأثبات،ومن سلك سبيلهم واتبع أثرهم حتى مات.
أما بعد:
فإنّ تذكير المسلمين بعضهم بعضا بما ينفعهم في دينهم ودنياهم سنّة ماضيّة أمر الله جلّ وعلا بها في كتابه فقال سبحانه : ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ بل حصر سبحانه رسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في التّذكير فقال له: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ  وهو كقول النّبي صلى الله عليه وسلم  "الدّين النّصيحة". فحصر عليه السلام الدّين في النّصيحة، والنّصحية من التّذكير
 و أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر الذين يستمعون للنّصح والتذكير فيتبعون أحسنه فقال سبحانه: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ
وأهل العلم هم أهل الذّكر الذين أوجب الله عليهم تذكير النّاس وأوجب على النّاس طلب الذكر والنّصح منهم قال سبحانه: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
وقد حلّ على النّاس عيد الفطر، وأمر الله في عيد الفطر التَّكبير قال سبحانه: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ولأهل العلم في التّكبير للعامة نصح وتذكير وأنا أذكر- إن شاء الله -  تذكريهم ثم نصحهم وليس لي في ذلك إلا الجمع والنقل
أمّا تذكيرهم فقد ذكّروا في التّكبير:
أولا- بوقته:
 قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ  ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة: 185] قَالَ فَسَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولَ: ﴿ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ ﴿وَتُكَبِّرُوا اللَّهُ عِنْدَ إكْمَالِهِ ﴿عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَإِكْمَالُهُ مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يُكَبِّرَ النَّاسُ جَمَاعَةً، وَفُرَادَى فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَسْوَاقِ، وَالطُّرُقِ، وَالْمَنَازِلِ، وَمُسَافِرِينَ، وَمُقِيمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ، وَأَيْنَ كَانُوا، وَأَنْ يُظْهِرُوا التَّكْبِيرَ، وَلَا يَزَالُونَ يُكَبِّرُونَ حَتَّى يَغْدُوَا إلَى الْمُصَلَّى، وَبَعْدَ الْغُدُوِّ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يَدَعُوا التَّكْبِيرَ .إ.هـ.
ثانيا- بألفاظه
قال صاحبُ كتاب "أحكام العيدين" :لم يَصِحّ حديثٌ نبوي في كيفيّةِ التكبيرِ- فيما أعلمُ-، إنما ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم:
فكان ابن مسعود يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. رواه ابن أبي شيبة (2/168) بإسناد صحيح
وكان ابن عباس يقول:الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجلُّ، الله أكبر على ما هَدَانا. رواه البيهقي (3/ 315) وسنده صحيح.
وأخرج عبدُ الرزّاق - ومِن طريقهِ البيهقيُّ في"السنن الكبرى" (3/316) - بسند صحيح عن سَلْمان الخير رضي اللهُ عنه قال:
"كبِّروا اللهَ: اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر كبيراً". إ.هـ.
ولأثر ابن مسعود رواية أخرى صحيحة رواها عنه ابن أبي شيبة في "المصنف" فيها تثليث التكبير.
قال البيهقي: والِابْتِدَاءُ بِثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ نَسَقًا أَشْبَهُ بِسَائِرِ سُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الِابْتِدَاءِ بِهَا مَرَّتَيْنِ , وَإِنْ كَانَ الْكَلُّ وَاسِعًا , وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
وأمّا نصيحة أهل العلم في التكبير فهي وجوب اتباع سنة النّبي صلّى الله عليه وسلّم وسنّة أصحابه فيه، ومن سنّة النّبي صلّى الله عليه وسلّم في التّكبير:
 أولا- عدم رفع الصّوت فيه.
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ، هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ» رواه البخاري ومسلم
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: في صفة التكبير: كل إنسان يكبر لنفسه من غير رفع صوت يؤذي الناس، ولا تشبه بالمغنين.(1)
قال ابن الحاج في المدخل: السنّة الماضية أن يكبر عند خروجه إلى المصلى، وأن يجهر بالتكبير فيسمع نفسه ومن يليه، والزيادة على ذلك من البدع إذ أنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما ذكر، ورفع الصّوت بذلك يخرج عن حد السّمت والوقار، ولا فرق في ذلك بين الإمام والمؤذن والمأموم، فإن التكبير مشروع في حقهم أجمعين.
قال الشّيخُ التّويجري – رحمه الله - : فإن احتج أحد من المبتدعين الذين أشرنا إليهم، أو احتج لهم غيرهم بأن عمر رضي الله عنه كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا. وإن ابن عمر، وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما. فالجواب أن يقال: أن سماع أهل المسجد لعمر رضي الله عنه لا يدل على أنه كان يرفع صوته بالتكبير رفعًا منكرًا كما يفعله المتجاوبون في المسجد الحرام، وإنما كان رضي الله عنه جهير الصوت، وكانت قبته إلى جانب المسجد، فكان إذا كبر وهو فيها سمعه أهل المسجد فتنبهوا من غفلتهم وكبروا، وكذلك أهل الأسواق إذا سمعوا تكبير من في المسجد تنبهوا من غفلتهم وكبروا. ومثل ذلك فعل ابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهما فإنهما كانا إذا مرا في السوق كبرا فتنبه أهل السوق من غفلتهم وكبروا بتكبيرها. ولم يذكر عن عمر وابنه، وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهم كانوا يبالغون في رفع أصواتهم بالتكبير وحاشاهم أن يخالفوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : «أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا».
قال: وقد ذكر كثير من الفقهاء أنه يستحب الجهر بالتكبير في العيدين وأيام العشر. ومرادهم بالجهر ضد الإسرار لا رفع الأصوات المنكرة به فإن ذلك لا يجوز لما ذكرنا من حديث أبي موسى - رضي الله عنه -.
ثانيا- أن يكبر كل واحد لنفسه: 
قال ابن الحاج المالكي في "المدخل": قد مضت السنة أن كل واحد يكبر لنفسه، ولا يمشي على صوت غيره فإن ذلك من البدع إذ أنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله، ولا أحد من الخلفاء الراشدين بعده، وفيه خرق حرمة المسجد والمصلى برفع الأصوات والتشويش على من به من العابدين والتالين والذاكرين.
ثالثا-أن يكبر بصوته ولا يلّحن التّكبير ولا يمطّطه
عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ، أَنَّ مُؤَذِّنًا أَذَّنَ فَطَرَّبَ فِي أَذَانِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا»
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" وذكره البخاري في صحيحه تعليقًا مجزومًا به وري مرفوعا بسند ضعيف جدا.
هذا بعض نصح أهل العلم وتذكيرهم في ّالتكبير" والبشرى من الله
﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ

وصلّى الله وسلّم وبارك على نبّينا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين

                               والحمد لله ربّ العالمين
-----------------------------------------------------------
(1)             إنكار التكبير الجماعيى وغيره : وهو كتاب مفيد في بابه للشيخ حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري  قرّظه الإمام ابن باز – رحمه الله تعالى -





الأربعاء، 15 يوليو 2015

التّقريب والتّسديد في حكم اجتماع الجمعة مع العيد




التّقريب والتّسديد في حكم اجتماع الجمعة مع العيد
الحمد الله دعا عباده إلى الاجتماع والإتلاف، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف، ثم الصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين :
أما بعد: فلا يخفى على مسلم - إن شاء الله !- أن اجتماع الكلمة و وحدة الصّف بين المسلمين من أعظم مقاصد الشّريعة الإسلامية. والله جلّ علا قد أمر به وباعتباره في غير ما آية من كتابه قال سبحانه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وقال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
ولأن السنّة صنوُ القرآن قال - صلّى الله عليه وسلم -: «لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تنافسوا وكونوا عباد الله إخوانا» وقال عليه السلام لمعاذ وأبي موسى - رضي الله عنهما- لما بعثهما إلى اليمن: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وتطاوعا ولا تختلفا» رواه مسلم
ومن أعظم أسباب وحدة المسلمين وجمع كلمتهم أنّ الله جعل أمرهم لإمامهم ما استقام على شريعته فأوجب عليهم طاعته و اتباعه وإن خالف أمره وحاله اعتقادهم ومذاهبهم ما كان أمره وحاله موافقا للكتاب والسنّة قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)
وجعل النّبي  - صلّى الله عليه وسلم - طاعة ولي الأمر من طاعته  - صلّى الله عليه وسلم - ؛فقال: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي» رواه مسلم
قال الشيخ العنزي - رحمه الله- : "وطاعة ولي الأمر فيما لم يتضمن ترك واجب أو فعل محرم واجبة".إ.هـ
والذي قال الشيخ - رحمه الله- هو محل اتفاق بين أهل العلم

  قال الشيخ الجابري: الذي عرفناه عن أئمتنا وعلمائنا بل هو مقتضى دلالة الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح أن ما يصدر عن ولي الأمر لا يخرج عن أحوالٍ ثلاث:
    الأول: أن يكون طاعة لله واجباً أو مندوباً فتجب لهم الطاعة فيه ، طاعةً لله ولرسوله وكذلك لو كان نهى ولي الأمر عن شيء محرم أو مكروه، ترى أنت أنه مكروه ولا يصل إلى التحريم فيجب عليك السمع والطاعة فيه .
   الثاني: أن يكون ما يأمر به ولي الأمر أو ينهي عنه من مسائل النزاع والخلاف فلكلٍ من الفريقين من علماء الإسلام أدلة تسوغُه، تسوغ مذهبه، فعزم ولي الأمر ومن حوله من أهل العلم على أحد القولين،
فكذلك تجب لهم السمع والطاعة فيه جمعاً للكلمة.
  الثالث: أن يكون هذا الذي يصدر عن وليّ الأمر هو معصية لله، فهذا لا تجب لهم الطاعة فيه بل تحرم طاعتهم فيه لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) هذا باتفاق أهل العلم.إ.ه   
وتتأكد الطّاعة إذا تعلق الأمر بمسائل أمن المسلمين وخوفهم فحينها تكون طاعته آكد ويكون أمر من خالفه عظيم .
وقد يجتمع هذه السنّة عيد الفطر مع الجمعة وهي مسألة خلافية بين أهل العلم تشابكت فيها آراؤهم واختلفت عليها أقوالهم ، كما هو مبسوط في كتب الفقه وبعض النّاس خصها بجزء أو رسالة(1)
وأكثر أهل العلم من أهل الاجتهاد في هذا الزّمن على أنّ الجمعة تسقط على من صلّى العيد مع الإمام ويصليها ظهرا وهو مشهور مذهب الإمام أحمد-رضي الله عنه -، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وعلى ذلك اجتمع رأي هيئة كبار العلماء.
قال الشيخ ابن باز- رحمه الله- : إذا وافق العيد يوم الجمعة جاز لمن حضر العيد أن يصلي جمعة وأن يصلي ظهرا؛ لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في هذا، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه رخص في الجمعة لمن حضر العيد وقال: «اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شهد العيد فلا جمعة عليه » ، ولكن لا يدع صلاة الظهر، والأفضل أن يصلّي مع النّاس جمعة، فإن لم يصلّ الجمعة صلى ظهرا، أما الإمام فيصلي بمن حضر الجمعة إذا كانوا ثلاثة فأكثر منهم الإمام، فإن لم يحضر معه إلا واحد صليا ظهرا . إ.هـ.

  وذهب الإمام مالك - رحمه الله تعالى- إلى عدم الإجزاء. قال في المدونة: قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ إذَا اجْتَمَعَ الْأَضْحَى وَالْجُمُعَةُ أَوْ الْفِطْرُ و الْجُمُعَةُ فَصَلَّى رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الْحَضَرِ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ لَا يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ، هَلْ يَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ شُهُودُهُ صَلَاةَ الْعِيدِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِ الْجُمُعَةِ؟
قَالَ: لَا وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِ الْجُمُعَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَوَالِي إلَّا عُثْمَانَ. وبمثل قول مالك قال أبو حنيفة والشافعي مع تفصيل غير مقصود.
وقد انتصر إمام المغرب أبو يوسف ابن عبد البر لقول الإمام مالك فقال بعد أن ذكر أدلة المخالفين: " وَإِذَا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآثَارُ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَجُزْ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى سُقُوطِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَوْمَ عِيدٍ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ تَجِبُ حُجَّتُهُ فَكَيْفَ بِمَنْ ذَهَبَ إِلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ بِأَحَادِيثَ لَيْسَ مِنْهَا حَدِيثٌ إِلَّا وَفِيهِ مَطْعَنٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ.إ.هـ.
قال النووى في "المجموع":لَكِنْ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ السُّنَّةِ مَرْفُوعٌ وَتَأْوِيلُهُ أضعف.إ.هـ.
يقصد- رحمه الله - : مارواه أبوداود وغيره وصححه الألباني -رحمه الله تعالى-
عن وَهْبٍ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: «اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَأَخَّرَ الْخُرُوجَ حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ، ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ فَأَطَالَ الْخُطْبَةَ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ لِلنَّاسِ يَوْمَئِذٍ الْجُمُعَةَ»، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ.
"وليس المقصود استيفاء أدلة الطرفين أو الترجيح بين القولين فلذلك أقوام لست منهم وإنما المقصود التّنبيه إلى أنه يجب على النّاس اتباع أمر إمامهم فإن أمر إمامهم بإقامة الجمعة وجبت طاعته وحرم خلافه لما في خلافه من الفُرقة والفتن التى حرّمها الله جل وعلا وهذا محل اتفاق بين أهل العلم".
       وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
                                                               والحمد لله رب العالمين